لبنان يصبح الثاني عالمياً في التضخّم بعد فنزويلا و يسبق زيمبابوي وسوريا !

يتسارع مستوى الانحدار الاقتصادي والنقدي، وتشهد عليه الأسعار المختلفة للدولار مقابل الليرة، التي تفقد قيمتها بمعدّلات مرتفعة. وبالتوازي، تدل أسعار السلع وشحّ توفّر بعضها في السوق، على ما نتّجه إليه تحت أنظار العالم أجمع. وفي المقابل، لا يوجد أي خطة إنقاذية فعلية قادرة على التخفيف من التسارع ولملمة آثاره، على أقلّ مستوى ممكن.

منافسة مع فنزويلا
تسجّل فنزويلا أعلى مستوى للتضخّم عالمياً، وصلت نسبته الى 2133 بالمئة. لكن اللافت أنَّ لبنان أصبح في المرتبة الثانية بعد فنزويلا، بمعدّل تضخّم وصل الى 365 بالمئة، ليسبق بذلك زيمبابوي التي تسجّل تضخماً بمعدّل 358 بالمئة، تليها سوريا بمعدّل 287 بالمئة، ثم السودان بمعدّل 223 بالمئة.

هذه الأرقام التي عَرَضَها الخبير الاقتصادي الأميركي ستيف هانك، من جامعة جونز هوبكينز الأميركية، هي نِتاج تجاهل المنظومة الحاكمة لخطورة الوضعين الاقتصادي والنقدي، والذي بدأت بوادره بالظهور منذ العام 2017 على الأقل. ومع أنَّ تخطّي حاجز اللاعودة، حصل منذ نحو سنة، إلاّ أنَّ المصرف المركزي المناط به مهمّة حماية الليرة، وَجَدَ على لسان حاكمه رياض سلامة، أنَّ ما تتعرّض له الليرة من هبوط في الأسعار، وولادة سوق سوداء نشطة للدولار، هو أمر طبيعي، ولا يحق للمركزي التدخّل لأن الدولار هو “سلعة” خاضعة للعرض والطلب. وهذا الموقف فاقَمَ مستوى المضاربة على العملة.

غير أنَّ اجتهادَ سلامة لم يقف عند هذا الحد، بل تفتَّقَت حكمته عن فكرة طباعة المزيد من عملة الليرة لتغطية نفقات الدولة، ما أفقَدَ العملة المزيد من قيمتها. وبالتوازي، توَلَّت السلطة السياسية تسهيل مهمّة كبار التجّار والمحتكرين، لإخفاء السلع والاستفادة من زيادة الطلب عليها لرفع أسعارها. وارتفاع أسعار السلع مع انخفاض قيمة الليرة، عزَّزَ مستوى التضخّم.

السير نحو الجوع
يشير ستيف هانك إلى “صدمته” بطريقة إدارة المنظومة للكارثة التي نعيشها. إذ اعتبَرَ في تغريدة عبر موقع “تويتر”، أنّه “مِن المثير للصدمة مشاهدة السياسيين اللبنانيين لا يكترثون للوضع بينما بيروت تحترق”. وهو احتراق فعلي تعيشه كلّ المناطق اللبنانية، حيث ترتفع معدّلات البطالة المقدَّرة بنحو 50 بالمئة، وسط غياب الإحصاءات الرسمية. وتُضاف إليها معدّلات البطالة المقنَّعة والفقر.

هذا المشهد المغطّى بأرقام واحصاءات ليس فيها بقعة ضوء إيجابية، تعني أننا في بلد “يتَّجه من الفقر إلى الجوع”، حسب ما يقوله الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي. وهذه الخلاصة تعيد إلى الأذهان ما أكّده حاكم مصرف لبنان في حلقة تلفزيونية، حين بَشَّرَ بأن بعض اللبنانيين سيجوعون، فيما الفقر سيزداد.
هذه البشائر كانت نتيجة حتمية لاعتماد سياسات تفصل بين الاقتصاد والنقد. فالحاكم على مدى ثلاثة عقود، لم يربط بين شكل الاقتصاد وحجمه وإمكاناته، وبين قوّة الليرة وما يملكه المصرف المركزي من إمكانيات لدعم العملة. فاتّجه الحاكم إلى دعم الليرة من ودائع الناس وما يملكه القطاع المصرفي من دولارات، جاعلاً من الليرة عملة ثابتة لاقتصاد ضعيف وهَش، مؤجّلاً بذلك الانفجار. لكنّه في الوقت عينه كان يمدّه بالزخم والقوة، ليصبح البلد اليوم على شفير الخراب العظيم.
والسلطة السياسية لم تبنِ، وفق يشوعي “اقتصاداً منتجاً، بل عمدت إلى استيراد كل شيء بالعملة الأجنبية التي تجتذبها من الخارج أيضاً، عبر قطاع مصرفي سار بخطط سلامة، ليكتسب فوائد مرتفعة”.

في المحصّلة، وصلت نسبة تراجع العملة إلى ما يزيد عن 4 أضعاف، هي بمثابة مؤشر على حجم التضخّم الذي يفترض به أن يكون في الأصل 400 بالمئة، لكن تُحسَم منه نسبة مئوية ضئيلة توازي حجم ما ينتجه لبنان، ليبقى المعدّل الذي أعلنه الخبير الأميركي. وبالتالي، “لو كان لدى لبنان اهتمام بالإنتاج المحلّي كما يجب، لما وصل معدّل التضخّم إلى هذا الحد”. إذ كان بمقدور الاقتصاد تأمين احتياجاته داخلياً، من دون الحاجة للحصول على عملة أجنبية لتمويل الاستيراد بالقدر الذي نحتاجه اليوم.

المدن

اضغط للقراءة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى