أعرف من قـ ـتل طوني أبي رزق

المصدر: جريدة النهار

“عشنا حرب الـ 75 وافتكرنا خلصنا، تا إجا هالانفجار الزلزال ودمَّرنا”، هذه الجملة قالها طوني أبي رزق، الذي غادرنا مقهوراً على وطن لم يرتح يوماً، ولم نجد فيه إلا الحروب والحزن والألم والخيبات. نجا طوني من الانفجار، وعلم بأن صَلاته التي كان يرددها وزوجته في كنيسة مار مخايل حرسته وحمت عائلته. صحيح، نجا طوني من إنفجار المرفأ المشؤوم، لكن لم يستطع التغلب على الحزن الذي خلّفه هذا الانفجار الأعمى في قلبه، لم يحزن طوني على حاله فقط، بل عاش وجع كل شخص في منطقة #المدور ومار مخايل. تألم لرحيل جارته كلوديت الحلبي التي ظلت تنازع تحت الركام وهي تصرخ “خلصوني” ولم يستطع من الوصول إليها، فرحلت مقهورة ووحيدة. حزن على كل جار فقد حبيباً له بسبب الانفجار. تمكّن من ترميم محله الذي دمّر، لكنه لم يستطع أن يرمم الجرح الذي أصابه في القلب، فاستسلم لمشيئة خالقه بعد أربعة أشهر من الانفجار.

سأخبركم عن “عمو” طوني، حلاق المنطقة، رجل آدمي، خلوق، محب، طينة نادرة من الرجال، حضوره خفيف، مؤمن، محب لعائلته وللآخرين. لا تغيب عن بالي صورة هذا الرجل الذي كان يرافق ولديه إيلي وكريستين كل يوم إلى المدرسة، وعيناه عليهما يكبران كي يفرح بهما. كانا الشغل الشاغل له في هذه الحياة مع زوجته مارغو التي كان يترافق معها كل يوم إلى القداس ليشكرا الرب على كل شيء. نعم، رضي طوني بالقليل، كان يعمل في محله الصغير ويقول: “أعطنا خبزنا كفاف يومنا”، حتى هذه اللقمة أراد مجرمو الانفجار سرقتها منه. أنا أعلم من قتل طوني وأمثاله من الشرفاء، القاتل هو كل مهمل سمح بالوضع أن يصل إلى هذه النتيجة الآثمة التي دمرت الحجر والبشر. والمجرم الأكبر، هو كل شخص منع الدولة من أن تكون جاهزة لإنقاذ شعبها في محنة كهذه. والمجرم الحقيقي، هو كل شخص يقف في وجه التحقيق لمعرفة الحقيقة، كي يأخذ أمثال طوني وغيره حقهم المعنوي من مرتكبي جريمة العصر. والمجرم المفترض هو كل شخص منا يسعى إلى طمس الحقيقة وإغلاق هذا الملف من دون معرفة الحقيقة.

وفي رسالة افتراضية من طوني لعائلته وأحبائه في المدور و#مار ميخايل:
– إلى العزيزة مارغو، أنا أقرب منكِ اليوم أكثر من أي يوم مضى، كما كنا في السراء والضراء، أنا معك اليوم، وفي القداس سأكون بجانبك كالعادة، لكن الله الذي جمعنا على الارض سيجمعنا فوق. خلي عينك على الاولاد.
– إلى الحبيب أيلي، رَجلي وسند العائلة في غيابي، واصل كفاحك مثلي، لا تشذّ عمّا علمتك إياه، لا تسرق فرحة الناس كما سرقوا مني فرحتي بأن أراك والداً، حقِّق حلمي وكن صالحاً لو اشتدت بك الصعاب.
– إلى فراشتي كريستين، زهرتي الدائمة، سأتفقدك كل يوم عند المساء كما كنت أفعل دوماً، مدللتي أنا بقربك، شاركتك فرحتك الاولى بخطوبتك، فرحي كان عظيماً، حرموني من الفرحة الثانية، لكن لا تحزني، سأرافقك من فوق، وسأكون سعيداً جداً، كوني قوية.
– إلى الأحباء في منطقتي، سأشتاق إلى كل ذكرى جميلة مع كل شخص منكم، لا تستسلموا ولا تتركوا هذه الارض، الفرج آت لا محال.
أختم هذه الرسالة بعنوان لنصّ في الإنجيل “لعازر والغني لوقا 16: 19 – 31″، أتمنى أن يقرأه كل مسؤول في هذه الدولة.
المصدر: جريدة النهار

اضغط للقراءة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى