الدولار.. المواطنون كانوا أذكى من الصرّافين هذه المرّة
“الأجواء كانت إيجابيّة وقرّرنا الاجتماع غداً”. هذه الجملة التي قالها الرئيس المكلّف سعد الحريري من قصر بعبدا أول من أمس، كانت كفيلة بهبوط سعر صرف الدولار قرابة 500 ليرة لبنانية صباح أمس الأربعاء. إلا أنّ الهبوط لم يكن إلاّ “افتراضياً” وبواسطة التطبيقات المجهولة والمحمية (على ما يبدو) والمنثورة مثل الفطر في متجري Apple store وGoogle play، ولا وظيفة لها سوى التحكّم بـ”السوق السوداء” صعوداً وهبوطاً، وسلب الناس دولاراتهم.
ووسط هذا كله، يقف أغلب الصرافين مثل “الضباع” التي تترقّب الضحيةً لتقع في شرّ خياراتها، فتنقضّ عليها. أو تنتظر الفُتات والأشلاء لتقتات من “ضحايا التطبيقات”.
أمّا “نقابة الصرافين” فلا عمل لها سوى المراقبة وإعادة نشر سعر صرفها “التهريجي” (3900 ليرة لبنانية) الذي حدّده لها “مصرف لبنان”، وذلك صباح كل اليوم، فيما هي تارةً عاجزة عن الالتزام به وطوراً رافضة له.
ومن وقت إلى وقت تتسلى النقابة بملاحقة من يصوّب على الحقيقة، أو من يتوجّه لها أو لأحد الصرافين بلوم أو بتهمة، من خلال تسطير الإنذارات القانونية أو تهديد الصحافيين بملاحقتهم أمام القضاء. وهو القضاء نفسه الذي يمثُل أعضاؤها أمامه وسبق أن أوقف ذات يوم رئيسهم بتهمة التلاعب في سعر الصرف!… إسألوا مفرزة الضاحية واسألوا مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون، فالحقيقة في دِرجها.
إذاً، سعر الصرف سجّل في ساعات صباح أمس الأولى، هبوطاً لامس 7800 ليرة للمبيع و7900 للشراء، لكنّ الحيلة لم تنطلِ على أحد. لم يهرع أحد من المواطنين لبيع دولاراته كما في المرّات السابقة، خوفاً من الخسارة.
هذا السعر عاد وارتفع ظهراً، وتحوّل تدريجياً من العالم الافتراضي إلى حدود الواقع، لكن “نص / نص”، وذلك عند عتبة 7900 للشراء و8300 للمبيع، خصوصاً بعد فشل محاولات “الإغراء” الصباحية، وبُعيد انتشار “نصيحة” أوساط قصر بعبدا بـ”عدم إغراق الناس بالتفاؤل”.
هذا السعر التزم به الصرّافون في الشراء (إن وُجد البائع) لأنّ تحصيل الدولارات بسعر منخفض يصبّ في مصلحتهم، لكنّ أيديهم بقية “مغلولة” لناحية البيع بسعر 8300 ليرة، إلاّ في الحدود الدنيا وعلى مستوى المعارف والمقرّبين، وذلك لعلمهم المسبق بأنّ الأجواء مستقبلاً “لا تؤشّر إلى ثبات سعر الصرف على هذا الحال”، خصوصاً بعد عطلة الأعياد.
مصدر صيرفي أكّد في اتصال مع “أساس” أن “مصلحة الصرّافين اليوم هي في ارتفاع سعر الصرف وليس في انخفاضه”، ولهذا السبب عاد السعر ليلتقط أنفاسه.
مصدر صيرفي آخر كشف لـ”أساس” أنّ “العرض أمس كان شبه معدوم”، وهذا يدلّ إلى أنّ هبوط سعر الصرف كان مصطنعاً ولم يعبّر عن توجّه السوق عرضاً أو طلباً، وإنما عن رغبات من يقف خلف هذه التطبيقات، مستغلاً الاستحقاقات السياسية المرتقبة.
في المحصلّة، فإنّ المواطنين حَمَلة الدولارات الـ”كاش”، لن يُلدغوا من الجحر مرتين. هم أشاروا في عدم تأثّرهم بـ”الاغراءات”، إلى ما هو أخطر من ذلك بعد. فقد أكدوا من خلال لامبالاتهم بأنّهم كفروا بالطبقة السياسية، وما عادوا يلمسون أي تفاؤل يُذكر من الحديث عن قرب تشكيل حكومة. وهذا بدوره يعني أن الواقع المالي والنقدي بات يقترب إلى حالٍ من الطلاق بينه وبين الواقع السياسي المأزوم والميؤوس من أمره. بل أكثر من ذلك، فإنه يؤشر جلياً إلى استنتاجين ما عاد سهل التنكّر لهما أو تخطيهما:
1- سعر صرف الدولار لم يعد خاضعاً لقانون العرض والطلب.
2- المواطنون يثقون بدولارهم الكاش ولا يصرفونه إلاّ عند حاجتهم إلى الليرات فقط.
وسط هذا كلّه، يُرجّح أنّ تشهد بدايات السنة الجديدة المزيد من التعثّرات الاقتصادية والنقدية، وذلك بمعزل عن تطوّرات الحكومة وإذا أبصرت النور أو لم تبصره. فترشيد الدعم، وربّما وقفه عن بعض السلع، بات شبه محسوم، وهذا بدوره كفيل بتأجيج سعر الصرف إلى أرقام قياسية نظراً لحاجة التجار إلى الدولارات الكاش.
هذا الاستنتاج ما عاد يفوت عاقل، وكلّ مواطن يحمل دولاراً ورقياً بات كمن يحمل Future Contract أو “عقداً آجلاً” يتمسّك به إلى حين استحقاقه لتحصيل المزيد من الأرباح.
عماد الشدياق – اساس ميديا