ماهر منيمنة وسواه.. حين نضطر للكذب كي ننجو

“اذا كان الكذب حجّة فالصدق بينجّي”. عبارة لطالما ردّدها أمامنا أستاذ اللغة الفرنسية طوال المرحلة الثانوية لتعليمنا قول الحقيقة مهما كانت مكلفة، لكنّ العكس تماما حصل مع المواطن ماهر منيمنة الذي قطع حواجز الثوار بكذبة كي ينجو!

سرعان ما انقلب التعاطف الشعبي الذي حصده منيمنة، مريض الكلى، بحسب ادعاءاته الى نقمة، وبدأت سهام رواد مواقع التواصل تراشقه من كل حدب وصوب! ماهر منيمنة المواطن اللبناني الذي ضاق صدره من زحمة السير الخانقة نتيجة قطع الطرقات، أحاك كذبته على أمل “تمرق عليهم” ومن ثم هو “يمرق”! ولكن، أن يكون منيمنة “كذّاب” فإن ذلك لا يلغي أبدا بشاعة المشهد المتجسّد بتوسلات المواطنين للعبور! احدهم يذهب الى عمله وآخر لزيارة أهله، وفي الطريق الموازي سائق يبحث عن محطة وقود قريبة وجرّاح مسرع نحو المستشفى لإجراء عملية أو أمّ تستعجل الوصول الى بيتها بعد غياب في العمل لساعات طويلة عن أطفالها، أو مريض، فعلا، متوجّها الى عيادة الطبيب! فبالله عليكم ماذا تفعلون؟
وبعيدا عن الحالات الطارئة، التي يتوجّب على أصحابها تقديم طلبات استرحام مرفقة ببضع عبارات الاستجداء للمُحتجين للنظر بأمرهم والسماح لهم بالمرور، وربما لا يسمحون، فإن من ينزل الى الشارع مستنداً الى حرية الرأي والتعبير ليرفع مطالبه المحقّة بوجه سلطة فاسدة حرمته من أبسط حقوقه، لا يصحّ له أن يجور على حق غيره في حرية التنقّل دون عذر أو تبرير!

منذ أيام، شابان في مُقتبل العمر لقيا حتفهما بعد اصطدام سيارتهما بشاحنة أوقفتها مجموعة من الحراك بعرض الطريق، حيث لا إنارة ولا إشارة أو يافطة كُتب عليها “ممنوع المرور”، أو أقلّه عبارة “خفف سيرك امامك حاجز للثوار”! في الشمال أيضاً وعلى مفرق ضيعة “بكفتين” شابة في طريقها الى التدريس الخصوصي، يمنعها بعض الفتية من المرور فتصطدم معهم كلامياً لينهالوا عليها بالشتائم والاهانات حتى تخرج عجوز سبعينية وتقول: رجعي يا بنتي سمعي مني، هودي ما بيوقّروا حدا”! ولضيعة بكفتين في قسمها الاول تاريخ عريق من الولاء السياسي الأعمى لاحد احزاب السلطة المعارضة، لكن للسلطة حق المعارضة عبر قطع الطرقات في حين لا يملك الشعب حق الاعتراض!

وفي بيان نُسب الى ثوار 17 تشرين، جرى تحميل مسؤولية ما يحصل من حوادث بفعل قطع الطرقات الى الدولة التي وبحسب رأيهم أفقدت الشعب صبره وقدرته على التحمّل حتى نزلوا الى الشوارع مستخدمين كل الأساليب المتاحة للضغط على الزّمرة السياسية الحاكمة، وإن كان المنطق يظهر في الخطوط العريضة لأداء المحتجّين، الا أنه يغيب في التفاصيل، إذ أن التجاوزات التي يمارسها هؤلاء بحق المواطنين تكاد تتسبب بانقسام شعبي كبير وتقلّب اهل البلد الواحد على بعضهم عوضاً عن استقطابهم وحشدهم من جديد بهدف استكمال خطوات انتفاضة 17 تشرين التي استطاعت أن تضمّ غالبية الشعب اللبناني وتوحّده تحت راية المطالب المحقة، لكن ما حدث في الأيام الاخيرة هو تجسيد لتحكّم الأقلية بالاكثرية، الأمر الذي يعتبره “الثوار” اتهاماً للسلطة السياسية في لبنان بوصفها “بالاوليغارشية المافيوية”، فهل نحن أمام مظهر من مظاهر الاوليغارشية الشعبية حيث يتحكّم الاقلية برقاب الاكثرية من العباد؟ إذ وبحسب تقارير القوى الامنية، فإن عدد المحتجّين لم يصل الى الألف في وطن يبلغ عدد سكّانه اكثر من ست ملايين نسمة!

“عمرو ما يرجع الشعب، ان شالله بتموتوا من الجوع، انقبر رجاع لورا ما فيك تمرّ، الله ياخدكم انتو واحزابكم” عبارات ردّدتها مجموعات من الحراك على مدار عامين تعبيراً عن حقدهم على فئة كبيرة من الشعب اللبناني لم تدعم موقفهم ولم تصفّق لهم، او اقله لم تشارك في تحركاتهم وفقاً لحسابات تخص اصحابها. تتهجمون على من لا يقف الى جانبكم ولا يؤيد مساركم مهما بدا محقاً، وتعتدون عليه بالكلام والحجارة و”التدفيش” وقطع الطرقات، وتحقّرون كل صوت معارض لأدائكم بالاهانة والتجريح ثم تطالبون بالعدالة الاجتماعية وتتمسكون بقوة التغيير؟ بماذا تختلفون عن مناصري الاحزاب؟ بماذا تختلفون عمن قمعوا الحراك وسلبوكم حقّكم بالعيش الكريم؟

لبنان ٢٤

اضغط للقراءة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى