في لبنان.. عودة مهن كادت تندثر وابتكار أساليب جديدة للتسويق والبيع

في محله الصغير وبين آلة ومطرقة ومسامير وجلود وأنابيب لاصقة، يجلس الإسكافي أبو إلياس (79 عاما) وهو يعمل من دون توقف، ويقول للجزيرة نت إن العمل عاد بقوة منذ حوالي السنة.

مهن أخرى أيضا عادت إلى الواجهة بعد أن كانت تحتضر وتنسحب من السوق، فما أسباب عودتها؟ وهل تغيرت المفاهيم الاجتماعية المتعلقة بهذه المهن التي كادت أن تنقرض؟

منذ عام عاد العمل

ورث أبو إلياس مهنة الإسكافي من والده، ويقول إن هذه المهنة خرّجت 4 أولاد من الجامعات. ففي السبعينيات لم يكن الناس يستبدلون أحذيتهم ببساطة، وبعد أن غزت الأحذية والحقائب الصينية السوق اللبنانية والتي يعد عمرها قصيرا مقارنة بالأوروبية التي كانت رائجة والوطنية المشغولة بدقة، صار الناس يشترون الجديد بكثرة بدلا من إصلاح ما تلف.

في السنوات الأخيرة كان عمل أبو إلياس يقتصر على زبائن قدامى وبعض الزبائن الجدد أكثرهم من العمال الأجانب الذين يوفرون المال لأهاليهم.

ولم يكن يظن أن زخم العمل سيعود لأن “الناس أصبحوا يرمون أغراضهم حتى الغالية الثمن إما بسبب تبدل الموضة وإما لأنها اهترأت”، إذ كانت القدرة الشرائية لا بأس بها.

بعد ارتفاع الدولار وغلاء أسعار كل مستلزمات الحياة الضرورية والكمالية، بات اللبناني يحسب ألف حساب قبل أن يرمي قطعة ما زالت قابلة للتصليح.

العودة إلى الخياطة

تقول نهى كرم إنها تفحص الأحذية التي لا تزال جيدة، أو التي كانت قد اشترتها بمبالغ طائلة لتعيد تصليحها وصبغها بلونها الأصلي أو تغيير لونها لإخفاء العيوب.

ولم تكن تظن نهى أنها ستنزل حقيبة مقفلة منذ عشرات السنين فيها أقمشة منوعة كانت قد جمعتها لأنها تهوى الخياطة.

فتحت ماكينة الخياطة القديمة وأضافت إليها الزيت واشترت الإبر والخيط، وعادت تستذكر الخياطة “أفضل أن أخيط السترات بدل أن يتكلف أولادي بشرائها، فالقطعة العادية أصبحت تكلف 300 ألف ليرة لبنانية (حوالي 198 دولارا أميركيا)، قد نحتاج ثمنها للدواء”.

وكلام نهى هذا ينطبق على أكثرية الطبقة المتوسطة التي تتقاضى أموالها بالليرة اللبنانية، والتي لم تعد متوسطة مطلقا بعد أن خسر كثير من الناس وظائفهم بسبب كورونا والأزمة الاقتصادية الضاربة في لبنان وحجز أموال المودعين وتقطيرها من قبل البنوك.

هذه الحال أعادت عددا من المهن كانت في طريق الاندثار بسبب انتفاء الحاجة لها.

المنجد العربي

وبعد أن توقف المنجد عن الدوران على البيوت بعصاه وقوسه، عاد الناس يفتشون عنه لإصلاح الفرشات القطنية والصوفية لتنجيدها وإعادتها للحياة والاستعمال.

تقول رشا جرداي إنها تبحث عن منجد عربي يأتي إلى البيت مع عدته لتنجيد اللحافات (أغطية النوم الشعبية) لابنتها التي ستتزوج قريبا. تقول إنها تريد أن تقدمها هدية لابنتها مع فرشات ورثتها هي من والدتها، بعد أن غسلت الصوف وجففته في الصيف، ولم تعثر حتى الآن على منجد.

وأضافت رشا “وعدني أحد الجيران مؤخرا بأن يأخذ الصوف إلى قريته حيث يوجد منجد شاطر، لكنه مشغول جدا بسبب تراكم الأعمال، بعد أن أخرج الناس فرشهم وأغطيتهم القديمة وبدؤوا بإصلاحها”. وتخبر أن الفراش الجديد والجيد يكلف حوالي 600 دولار أميركي، أي أصبحت كلفته أكثر من 5 ملايين ليرة لبنانية.

الصيانة والتصليح

الرتي كلمة يعرفها أهالينا، تقول إكرام، أنها حرفة يقوم بها بعض الخياطين المبدعين إذا تمزق الثوب، فيرتيه، أي أنه يشكّل خيوطا من نفس نسيج الثوب وقطنه لإخفاء التمزق. وتعتبر أن الخياطين أصبحوا يستسهلون ويضعون قطعة قماشية مختلفة “بادج” (رقعة جاهزة) على أنها أسلوب جميل لإخفاء العيب. وتضيف أن الناس بحاجة لخياط ماهر ليرقع الثياب الممزقة مع إبقائها مرتبة ومقبولة للارتداء.

من جهته يقول ربيع أيوب إنه أقفل مطعمه الصغير الذي تسبب له بخسائر في ظل إقفال عدد من الشركات حوله، فعاد إلى مهنة التي كانت تستهويه وهي تصليح وصيانة المنازل، خاصة وأنه كان قد جمع عدة كبيرة لتصليح منزله الخاص، وبات يستخدمها اليوم.

يقول “أصبح الناس يصلحون كل شيء من حنفيات إلى أدوات كهربائية ويدوية، وبالكاد يشترون قطعا صغيرة لإصلاحها”.

ولدى ربيع أفكار وحيل لإصلاح الخشب والحديد والكهرباء وغيرها بأقل سعر ممكن، ولم يتوقع يوما أن تصبح هوايته هذه العمل الذي يسترزق منه لإطعام عائلته.

كما أنه أثناء تنقله يعمل أحيانا في خدمة التوصيل (ديلفيري)، هذه المهنة التي أصبحت مطلوبة جدا في لبنان بسبب انتشار كورونا والإقفال العام.

الإنترنت والتسويق

مهن أخرى ازدهرت مع الوضع الاقتصادي المتردي، وهي بيع أي شيء عبر الانترنت، وبيع أغراض مستعملة وأخرى جديدة أو بيع خدمات متنوعة من صيانة وتنظيف وأغراض للحيوانات الأليفة، بالإضافة إلى الصناعات المنزلية التي كثرت مع جلوس الناس في منازلهم.

كما عمل البعض على إنتاج الصابون والزيوت المعطرة، وآخرون عملوا في المؤن والطبخ والخبز، وغيرهم في الخياطة والأشغال اليدوية، وبيع الكتب.

ولا بد من التذكير بأن الناس تنبهوا هذا العام للزراعة، فامتلأت الشرفات والسطوح والحدائق والأراضي التي كانت شبه مهجورة بطفرة زراعية واسعة للاستهلاك المنزلي والبيع في السوق المحلي الذي بات يستورد كل شيء من الخارج، وهو ما يفوق القدرة الشرائية.

كما أن بعض العائلات باتت تبيع ما لا تحتاجه من أثاث المنزل أو الثياب، وازدهر مفهوم التبادل، واستخدمت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن البضائع وأسعارها.

الجزيرة

اضغط للقراءة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى