لماذا ألقت تركيا بثقلها في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا؟
استعرت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورنو كاراباخ، المقاطعة الآذرية جغرافيا، حسب الحدود المعترف بها من الأمم المتحدة، والأرمنية إثنيا، وراحت القذائف والصواريخ المتبادلة في الاتجاهين تدمر كل ما تجده في طريقها من بشر وشجر وحتى الحجر.
فحتى اليوم تجاوز عدد الضحايا من القتلى 300 عدا مئات آخرين من الجرحى فيما نزح حوالي 70.000 عن الإقليم هربا من نيران الحرب.
وتعتبر الجولة الحالية من القتال بين البلدين الأشرس في نوعها منذ عقود. فقد سبق للبلدين الجارين أن خاضا حربين حول المقاطعة نفسها، الأولى بين عامي 1988 و1994 والثانية عام 2016. ورغم الهدنة التي توصلا اليها كل مرة ظلت جذور الخلاف حول المقاطعة قائمة.
ويعود الصراع حول ناغورنو كاراباخ الى عام 1988عندما اندلعت حرب دامية بين القوات الأذربيجانية والانفصاليين الأرمن في المقاطعة انتهت بتركها في أيدي الأرمن بعد توقيع هدنة عام 1994.
يشار إلى أن سلطات أقليم ناغورنو كاراباخ تعتمد على دعم أرمينيا لها، لكنها لا تتمتع بأي اعتراف دولي في الأمم المتحدة، ولا تعترف بها اي دولة حتى أرمينيا.
وفيما تشتد حدة القتال تتواصل الدعوات من عدد من العواصم الدولية، من داخل المنطقة وخارجها، لوقف اطلاق النار. وقد عقد مراقبون دوليون من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا اجتماعات في العاصمة الآذرية مع وزير الخارجية هذا الأسبوع فيما سيجتمع وزير الخارجية الأرمني مع نظيره الروسي في موسكو مطلع الأسبوع المقبل.
واضطر الرئيس الروسي الى التزام موقف محايد من هذا الصراع. ووصف القتال بين البلدين اللذين كانا جمهوريتين تدوران في فلك الاتحاد السوفياتي قبل عام 1989 بأنه “مأساة” وقال في مقابلة تلفزيونية: “نأمل أن ينتهي هذا القتال في المستقبل القريب جدا، فهناك سكان يموتون وخسائر ثقيلة في الطرفين”.
ويكمن مأزق موسكو الذي يحول دون تدخلها لأي من الطرفين إلى ارتباطها بتحالف عسكري مع أرمينيا ولها قاعدة عسكرية في البلاد. في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حكومة أذربيجان، ولها مصالح اقتصادية معها، بما في ذلك صفقات كبيرة من السلاح الروسي.
أما ايران التي تحتفظ بحدود برية مع البلدين المتحاربين فقد زاد قلقها من انتشار رقعة القتال الى أراضيها. وحذر الرئيس حسن روحاني من أن تعم شرارة هذه الحرب باقي دول المنطقة وقال: “أملنا أن يعود السلم والاستقرار الى المنطقة… من غير المقبول إطلاقا أن تسقط قذائف أو صواريخ فوق أراضينا”.
وتعد تركيا الدولة الإقليمية الوحيدة التي اتخذت موقفا واضحا واصطفت الى جانب أذربيجان. واتسم تدخلها العلني بالسرعة والصرامة رسميا وشعبيا إلى درجة إصدار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تحذيرا لأرمينيا من أنها “ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان”.
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية وضعت تركيا كل سبل الدعم العسكري رهن إشارة أذربيجان من صناعات دفاعية وخبرات وتقنيات وقدرات عسكرية، علاوة على ذخائر وطائرات مسيرة وصواريخ وأنظمة.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف بلاده الداعم بقوة لأذربيجان بقوله “نقف وسنواصل الوقوف بكافة إمكاناتنا وقدراتنا إلى جانب أذربيجان الشقيقة والصديقة، وإن شاء الله النضال سيستمر حتى تحرير قره باغ”.
كما أجرى البلدان مناورات عسكرية لاختبار جاهزية قوات جيشيهما، اعتبرت مؤشرا على استعداد تركيا للتدخل ضد أرمينيا.
ويثير الموقف التركي الداعم لأذربيجان ضد أرمينيا قلقا في بعض عواصم الشرق الأوسط والخليج نظرا لعدم وجود قوى مضادة تقف في وجه انتشار نفوذ أنقرة في هذه المنطقة مثلما هو الحال في ليبيا.
فروسيا لا يمكنها التدخل لارتباطها بمصالح وعلاقات قوية بين البلدين المتحاربين، كما أن بعض الدول العربية التي أعلنت دعمها لأرمينيا لا حول لها ولا قوة في دخول المواجهة إلا لفظيا. يبقى أن نرقب تطورات هذا الصراع وما إن كان الأتراك سيقلبون ميزان القوى القائم في ناغورنو كاراباخ منذ عام 1994.
بي بي سي