أنصار الصدر يقتحمون البرلمان مجدّداً… الكاظمي: الجميع يتحمّل المسؤوليّة!
اقتحم متظاهرون مناصرون للتيار الصدري اليوم مبنى البرلمان #العراقي داخل المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، للمرة الثانية خلال أقلّ من أسبوع، احتجاجاً على مرشح خصوم #مقتدى الصدر السياسيين لرئاسة الوزراء، معلنين اعتصاماً مفتوحاً داخله.
تقاطر مئات المتظاهرين على البرلمان ودخلوا قاعته الرئيسية رافعين الأعلام العراقية وصور الصدر، وهي المرة الثانية خلال أيّام قليلة التي يدخل فيها مناصروه البرلمان العراقي بعد أن اقتحموا المبنى الأربعاء ورفعوا إشارة النصر والتقطوا الصور.
ومع هذه التطورات، يبدو أنّ الأزمة السياسية في العراق تزداد تعقيداً. فبعد عشرة أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة في تشرين الأول 2021، تشهد البلاد شللاً سياسياً تاماً في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وسط هذا المأزق السياسي، يشنّ رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر حملة ضغط على خصومه السياسيين رافضاً مرشحهم لرئاسة الحكومة.
وأعلن #التيار الصدري أنّ المتظاهرين الذين اقتحموا مبنى البرلمان باشروا “اعتصاماً مفتوحاً” داخله.
“تخوين وإقصاء”
حمّل رئيس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي الجميع مسؤولية ما آلت إليه الأمور في العراق، داعياً الكتل السياسية إلى “الجلوس والتحاور والتفاهم من أجل العراق والعراقيين والابتعاد عن لغة التخوين والإقصاء”.
وقال الكاظمي للعراقيّين: “شعبنا تواقٌ إلى الحياةِ وهو لا يهوى الفتنةَ والدم والاقتتال والانتقام والتناحر، ولا يهوى الحقدَ والكراهية، ويتطلعُ لمستقبلِ يوازي حجمَ التضحياتِ والمعاناة التي مر بها”.
ودعا الكتل السياسية إلى “الجلوس والتحاور والتفاهم من أجل العراق والعراقيين”، مشدّداً على ضرورة “الابتعاد عن لغةِ التخوينِ والإقصاء، ويجبُ التحلي بروحٍ وطنيةٍ عالية وجامعة، فألفُ يومٍ من الحوارِ الهادئ خيرٌ من لحظةِ تُسفكُ فيها نقطةُ دمٍ عراقي”. كما دعا الجميعَ إلى “التحلي بالهدوء والصبر والعقلانية، وعدمِ الانجرارِ إلى التصادم”، وحض العراقيين على “عدمِ الاصطدامِ مع القوى الأمنيةِ واحترامِ مؤسسات الدولة”.
وتابع: “يجبُ أن نتعاون جميعا لنوقفَ من يسرعُ هذه الفتنةِ، والكلُ يجب أن يعلمَ جيداً أن نارَ الفتنة ستحرقُ الجميع”.
وأكد أن “الظرفَ صعبٌ جداً، وهذه حقيقةٌ مُرة مع الأسف الشديد، وعلينا أن نتعاونَ وأن نتكاتف جميعا، حتى لا ندفعَ بانفسِنا إلى الهاوية. علينا أن نحكمَ عقولَنا وضمائرَنا ووجدانَنا، ونلتفَ حولَ العراق والعراقيين، لا حولَ المصالحِ الضيقةِ”.
ورأى الكاظمي أنّ “الجميع يتحمل المسؤولية… الأحزاب والطبقة السياسية والقوى الاجتماعية وسائر المؤثرين.. علينا أن نقولَها، نعم، الجميع، وعلى الجميعِ أن يتصرفَ وفقَ قواعد الحكمة والبصيرة من أجلِ العراق، حتى لا نخسرَ مجدداً”.
وأكد أن “العراق أمانة، فلا نخسرُ هذه الأمانة… هذه كلمةٌ أقولُها بصدق، وأسمعُ ما يقالُ في السرِ والعلن، ونحنُ صادقون، ولكن نأملُ من غيرنا أن يتحلى بالصدقِ هذه المرةَ لأجلِ العراقِ والعراقيين”.
وتابع: “سنتحملُ المسؤولية، وحاضرونَ لنفعلِ أي شيءٍ من أجل العراق، ودونَ تردد.. المعضلةُ سياسية، وحلُها سياسي، والحلُ ممكنٌ عبرَ الحوار الصادق البناء، وتقديمِ التنازلاتِ من أجلِ العراق والعراقيين”.
وختم: “في العراقِ ما يكفي من العقلاء والرجال، ولكنْ حذاري حذاري من استمرارِ التشنجِ السياسي، حتى لا تنفجرَ ألغامُ سعينا طوالَ العامينِ الماضيينِ في تفكيكِها بهدوء”.
صباح اليوم، تجمّع الآلاف من المتظاهرين المناصرين للصدر على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة التي تضمّ مقرات حكومية وسفارات أجنبية، وتمكّن المئات منهم من تجاوز الحواجز الاسمنتية على الجسر والدخول إليها.
وقال المتظاهر حيدر اللامي لوكالة “فرانس برس”: “خرجنا ثورةً للإصلاح (…) ونصرة للسيد القائد مقتدى الصدر. لن نُبقي على الفاسد، والمجرّب لا يجرّب. هؤلاء لا ينفعون بشيء، لقد تسببوا لنا بالأذى منذ العام 2003، ولم نرَ منهم نتيجة، سرقونا”.
في المقابل، أطلقت القوات الأمنيّة العراقية الغاز المسيل للدموع والمياه في محاولة لتفريق المتظاهرين وردعهم. وشاهد مراسل لـ”فرانس برس” محتجّين وهم يُسعفون مصاباً من بينهم غطت الدماء وجهه، فيما كان بعض المتظاهرين يحملون أشخاصاً مصابين بإصابات طفيفة.
وأفادت وزارة الصحة العراقيّة بأنّ مؤسسات وزارة الصحة استقبلت 125 جريحاً، 100 منهم مدنيون و25 من رجال الأمن.
اعتصام مفتوح؟
جدّد المتظاهرون رفضهم لاسم محمد شياع السوداني الذي رشّحه الخصوم السياسيون للصدر لمنصب رئيس الوزراء في الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران.
من حديقة البرلمان، قال ستار العلياوي (47 عاماً) إنّه يتظاهر ضدّ “الحكومة الفاسدة والفاشلة” التي سيشكّلها خصوم الصدر، مضيفاً: “لا نريد السوداني… الأحزاب مرفوضة، الأحزاب التي حكمت البلد 18 عاماً. (…) سنقيم اعتصاماً هنا تحت قبّة البرلمان، سننام في البرلمان”.
ويذكّر الصدر خصومه باستمرار بأنّه لا يزال يحظى بقاعدة شعبية واسعة ومؤثراً في سياسة البلاد رغم أن تياره لم يعد ممثلاً في البرلمان.
وفي حين يمارس الضغط الشعبي على خصومه، ترك الصدر لهم مهمة تأليف الحكومة، بعد أن استقال نواب التيار الصدري الـ73 في حزيران الماضي من البرلمان، بعدما كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه.
في الأثناء، أعرب الإطار التنسيقي في بيان اليوم عن “القلق البالغ” من الأحداث الأخيرة، و”خصوصاً التجاوز على المؤسسات الدستورية واقتحام مجلس النواب”. ودعا “جماهير الشعب العراقي المؤمنة بالقانون والدستور والشرعية الدستورية الى التظاهر السلمي دفاعاً عن الدولة وشرعيتها”.
إجراءات أمنيّة
إثر تسارع الأحداث، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بيان موجّه إلى “القوات الأمنيّة”، إلى “حماية المتظاهرين (…) والمتظاهرين إلى التزام السلمية في حراكهم”.
وترقّباً لتظاهرات اليوم، شدّدت السلطات الاجراءات الأمنية، وأقامت حواجز اسمنتية على الطرقات المؤدية إلى المنطقة الخضراء.
وأعلن الإطار التنسيقي الخميس تشكيله فريقاً تفاوضياً “للتباحث مع جميع القوى السياسية بخصوص تشكيل الحكومة وإكمال الاستحقاقات الدستورية”، وفق بيان.
ليل الجمعة، قام مؤيّدون للصدر بمهاجمة مكاتب محلية في بغداد تابعة لحزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي، ومكاتب لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، المنضوي في الإطار التنسيقي، كما أفاد مصدر أمني.
وقال زعيم تيار الحكمة في مقابلة مع “بي بي سي عربي” الخميس: “كنا نتمنى أن ينتظروا تشكيل الحكومة ومن ثم يقيِّمون أداءها إن كان جيداً فليعطوها فرصة وإن كان أداؤها شيئاً آخر، فليعترضوا عليها”.
يبدو العراق عاجزاً عن الخروج من الأزمة السياسية إذ لم تفضِ إلى نتيجة المحاولات والمفاوضات للتوافق وتسمية رئيس للوزراء بين الأطراف الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي منذ العام 2003. وغالباً ما يكون المسار السياسيّ معقّداً وطويلاً في العراق، بسبب الانقسامات الحادّة والأزمات المتعدّدة وتأثير مجموعات مسلحة نافذة.