بعد التأكيد أن “الودائع موجودة”… متى يستعيد المودعون أموالهم؟

لم يغب الحديث أو التفكير في ال#ودائع المصرفية، التي حُجز عليها منذ عام عن بال الناس لحظة واحدة. ورغم وضع القيود على الحسابات المصرفية، والكلام الدائر عن تبخّر هذه الودائع، يؤكد حاكم مصرف لبنان أنّ ودائع اللبنانيين موجودة في ال#مصارف. لذا، السؤال البسيط الذي يطرح نفسه هنا، متى يمكن للّبنانيين الحصول عليها؟

في السياق، وفي معرض إجابته عن السؤال-الاشكالية، يطرح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل، قراءة عن الأسباب التي أوصلت المصارف إلى فرض قيود على حسابات المودعين.

ويوضح أنّ الودائع رسمياً تُقسَّم بين ودائع مقيمين وودائع غير مقيمين: الأولى بالعملات الأجنبية والثانية بالعملتين اللبنانية والأجنبية. وكانت السيولة لدى المصارف مؤخراً تغطي جميع ودائع غير المقيمين لأنّها بالدولار، بينما ودائع المقيمين تتقلّب بين دولار وليرة، حسب الثقة والأوضاع السياسية، فعندما يسود الاستقرار السياسي والأمني، تنخفض نسبة دولرة الودائع وترتفع نسبة الودائع بالليرة.

ويشرح أنّه لم يكن بالإمكان خفض الدولرة إلى مستويات معقولة، “ورغم جميع المحاولات، استمرّت دولرة الودائع، لكنّها بقيت تتغيّر بحسب التطورات والخضّات السياسية”. ويتابع أنّ ذلك “بسبب حدوث خضّات سياسية متتالية من جهة، ومنها التي توالت في أواخر شهر آب 2019، من خفض وكالة Fitch للتصنيف الائتماني لبنان إلى مستوى C، ووضع مصرف لبنان على لائحة العقوبات الأميركية، إلى العدوان الإسرائيلي عبر الـ drone على الضاحية الجنوبية”.

من جهة أخرى، بسبب عدم الاستفادة من الفرص المُتاحة أمام الاقتصاد اللبناني؛ فبين 2007 و2010 كانت نسبة النموّ الاقتصادي 9%، وكانت فرصة ذهبية لبدء العملية الإصلاحية لكن أحزاب السلطة استمرّت بلا مبالاتها. أدّى كل ذلك إلى أن يحوّل الناس ودائعهم إلى العملات الأجنبية، وهو تصرّف تلقائي، وشهدنا خروجاً للودائع من لبنان وتباطؤاً في تدفّق رؤوس الأموال، سواء كاستثمارات أجنبية مباشرة، أو كإيرادات سياحية، أو ودائع مصرفية، ما خفّض من سيولة المصارف. وقد لبّت هذه الأخيرة قدر المستطاع الطلب على التحويل من الليرة إلى الدولار واستمرت حتى فترة غير بعيدة.

فالجواب على سؤال الإشكالية، بحسب غبريل، “ليس بهذه السهولة والبساطة. علينا العودة إلى أيلول 2019، مع ظهور مؤشرات الأزمة ولدى ظهور سوق موازية للدولار، وهو مؤشّر لشحّ السيولة. ووصلنا إلى بداية الأزمة في هذا التاريخ، وكان من المفترض أن تضع السلطة فوراً إجراءات الـ capital control، وهو إجراء طبيعي وبديهي، وكان من شأنه إراحة السوق وإعطاء رؤية واضحة عمّا يمكن فعله لناحية التحويلات إلى الخارج، أو تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار، أو السحوبات النقدية بالعملات الأجنبية، وكان ليعطي صورة واضحة للمودِع عن ودائعه، وليوقف هلعه وقلقه وعتبه، والمودع غير مَلوم، بالإضافة إلى المساعدة في البدء بالعملية الإصلاحية. وليس لبنان البلد الأول والأخير الذي يشهد أزمة اقتصادية مماثِلة. وحتى في لبنان، اتُخذ هذا الإجراء بظرف أسبوع في الستينيات، وعاد بعدها القطاع المصرفي إلى عمله بشكلٍ طبيعي بعد نحو شهرٍ، وتوقّفت هذه الإجراءات”.

وكان من المفترض، وفق غبريل، أن تقوم الدولة بالعمل نفسه في أيلول أو تشرين الأول 2019 كأبعد تقدير، “لكنّ هناك تقاذفاً لقانون الـ capital control منذ سنة وشهر، وصندوق النقد أعطى ملاحظاته على هذا القانون، وعدم إقراره مضرٌّ بالمودع وبالمصارف بالدرجة الأولى، وبالاقتصاد، وباستعادة الثقة، للخروج من الأزمة”.
ويلفت إلى أنّ “ما يُسمّى المشروع المالي الإنقاذي الذي قدّمته الحكومة المستقيلة، يُحمّل كلفة الأزمة بالكامل للقطاع المصرفي وبالنتيجة للمودِع. وإذاً، يطرح هذا المشروع موضوع الـ hair cut على الودائع وخسارة المودعين جزءاً من ودائعهم، وهذا هاجس محقّ للناس. لكن جمعية المصارف قدّمت مساهمة للحكومة بهذا الخصوص لتجنّب الـ hair cut. وهناك فرق ما بين وضع قيود على الحسابات، والقول إنّ الحل الوحيد هو عبر تحميل كلفة الأزمة إلى القطاع المصرفي وحده، فهذا يطال المودعين، بينما يجب أن يكون هناك توزيع عادل لكلفة هذه الأزمة بين المكوّنات بدءاً من القطاع العام، والمصارف لا تتهرّب من مسؤولياتها”.

ويرى غبريل أنّ “الخطوة الأولى في طريق حل الأزمة الاقتصادية، التي ستؤثر إيجاباً على القطاع المصرفي والمودعين، هي الإصلاحات النابعة من إرادة سياسية، والعودة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والاتفاق معه، والانضباط في تطبيق الإصلاحات، ليبدأ ضخ السيولة بعد ثلاثة أشهر، ما يعطي صِدقيةً لإتيان السيولة من مصادر أخرى، كصناديق تنمية وأموال سيدر وغيرها. والمصارف تنتظر بفارغ الصبر العودة إلى عملها بشكلٍ طبيعي للتسليف وتمويل الحركة الاقتصادية، فهي تعمل اليوم بضبابية كاملة ولا رؤية أمامها في ظل غياب سلطة تنفيذية منذ أربعة أشهر، وهي تنتظر الحلّ كالمودع والمغترب وكأيّ قطاع في الاقتصاد اللبناني”.

هل سيستعيد المودِعون ودائعهم يوماً ما؟

يجيب غبريل عن هذا السؤال، بأنّه “ليس صحيحاً أنّ المودعين غير قادرين على استخدام ودائعهم، لكن لا يمكن العودة إلى التصرّف بشكلٍ طبيعي بالحسابات كما كان سابقاً لأنّنا في أزمة، والمودعون قادرون على التصرف بالودائع داخل لبنان عبر شيكات مصرفية بالدولار، واستخدام الليرة بالنقد والشيكات، وبالسحوبات نقداً بالليرة. وتداعيات الوضع الاقتصادي على المصارف هائل، من انكماشٍ لمدة ثلاث سنوات، وعدم تطبيق إصلاحات، ومخاطر سياسية محدِقة، وفقدان للثقة، ولا يمكن أن نتجاهل جميع هذه العوامل”.

ويضيف أنّ “المصارف ليست قادرة اليوم على فعل أكثر من ذلك لخدمة زبائنها، وفقدان الثقة يؤثّر عليها أكثر من أي قطاع آخر. وقد اضطرّت إلى فرض القيود على الحسابات، وكان ذلك بشكلٍ مؤقّت بانتظار أن تقوم السلطة التنفيذية بالمبادرة وأن تضع إجراءات الـ capital control الرسمية، وما زلنا ننتظر، ولا أحد توقّع أن يمتدّ الإهمال واللامبالاة لأكثر من سنة”.

في هذا الإطار، يقدّم الباحث الاقتصادي الدكتور روك -أنطوان مهنا، طرحين يمكن من خلالهما للمودعين استعادة ودائعهم، مع ضرورة وضع خطة اقتصادية مالية شاملة تتناول قطاعات عديدة، ومن بينها القطاع المالي الذي يضم إعادة هيكلة المصارف، وهنا ندخل إلى استعادة الودائع.

الطرح الأول يكمن في تمويل صندوق سيادي عبر عائدات أصول الدولة، فالمصارف كانت قد اشترت سندات خزينة من خلال مصرف لبنان لمصلحة الدولة اللبنانية، من أموال المودعين لديها، بغية الربح السهل، أي إنّ مصرف لبنان موّل الدولة اللبنانية ومؤسساتها. لذا، وبما أنّ الدولة لديها أصول تُقدّر بأكثر من 80 ـ 100 مليار، عليها أن تضمّ جميع أصولها من عائدات كازينو لبنان والريجي، والمطار وغيرها، في صندوق سيادي بإدارة شفافة وتحت معايير وشركات تدقيق دولية، لضخّ أموال جديدة عليه من الاستثمارات والعقارات التابعة للدولة، وإعطائها للمصارف، التي بدورها تعطيها مباشرةً وتدريجياً للمودعين.

وهنا تتمّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي بأكمله، ويشمل ذلك مصرف لبنان والمصارف. وعلى المصارف الاستمرار بضخّ الـ 20% التي طلبها منها مصرف لبنان حتى آخر شهر شباط، وهي من أموال fresh أو من أموال مساهمين أو من بيع فروع لها، وهذا ما يشكّل عملية انتقالية للقطاع المصرفي.
أمّا طرح مهنا الثاني، فيقضي بـ “إصدار سندات قابلة للتداول والتفاوض، أي إعطاء سندات للمودعين، ويُحدَّد حجم الحسابات الداخلة في هذا الطرح ليتمكّنوا من الحصول عل نسبة مئوية سنوياً من المصرف على فترة خمس أو سبع سنوات، ويُفتَح الخيار، إذا ما رغب المودِع، بالحصول على أسهمٍ في المصرف بقيمتها الحقيقية، وليس بالقيمة الإسمية للمصرف”.

ويشير مهنا إلى أنّ “هذا كلّه يأتي تحت مظلة كبيرة، وهي القرار السياسي، عبر تشكيل حكومة من اختصاصيين، تنال ثقة المجتمع الدولي، للعودة إلى حضنه”.

في المحصلة، لا أحد يعلم متى يمكن للمودعين أخذ ودائعهم طالما بقي الأمر مرهوناً ب#اصلاحات تبدو مستحلية الى أجل غير مسمى!

النهار اللبنانية

اضغط للقراءة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى