الأبحاث تكشف عن خطوات أساسية لتحقيق النجاح في تربية الأبناء

مهارات أساسية في تربية الأبناء

كشفت الأبحاث التي أجريت على مدار عشرات السنين، عن عشر مجموعات من المهارات الأساسية في تربية الأبناء. إذ حددت دراسة أُجريت على ألفين من الآباء، أيًّا من المهارات كان بالغ الأهمية في تربية أطفال يتمتعون بالصحة والسعادة والنجاح.

يتصدر القائمة، التعبير عن الحب والعاطفة. ثم تأتي مفاجأة، ألا وهي أن التحكم في التوتر والضغوط والاحتفاظ بعلاقة طيبة مع شريك الحياة، أكثر تأثيرًا من بعض السلوكيات التي تركز على الأطفال أنفسهم.

يتمتع جميع أنواع البشر بالقدر نفسه من الكفاءة في تربية الأطفال، ويستطيع أي شخص أن يتعلم كيف يُحسِّن أداءه كوالد من خلال بذل قدر قليل من الجهد.

إذا بحثت في قسم الكتب على موقع شركة أمازون (Amazon.com) عن موضوع مثل “اتباع الحمية الغذائية”، فسوف تأتي نتائج البحث بأكثر من 76 ألف نتيجة. ولكن موضوعًا مثل “تربية الأطفال” سوف يمنحك عددًا أكبر بكثير من النتائج، إذ يصل إلى أكثر من 180 ألف نتيجة، تتضمن كتبًا مثل “خبراء التربية” من تأليف جين رانكين، الذي يكتفي بتقييم بعض النصائح التي يقدمها الخبراء، والتي تكون متضاربة في الغالب. فعلى ما يبدو، ينتاب الناس شعور بالقلق فيما يخص تربيتهم لأبنائهم أكثر من اهتمامهم بأوزانهم.

لماذا إذًا نجد ذلك القدر من الفوضى والارتياب عندما يتطرق الحديث إلى تربية الأبناء؟ ولماذا في واقع الأمر، يواصل معظم الآباء تربية أبنائهم بنفس الطريقة التي اتبعها معهم آباؤهم، أو “بطريقة معاكسة” تمامًا، إذا كانوا يكرهون الأسلوب الذي تربوا به؟ ألا ينبغي علينا جميعًا أن نكتشف بالضبط ما تقوله الدراسات والأبحاث ومن ثَم نشرع في تربية أبنائنا بناءً عليها؟ توضح مجموعة متزايدة من الأبحاث التي أُجريت على مدار الأعوام الخمسين الماضية، أن بعض طرق تربية الأطفال تأتي بنتائج أفضل من غيرها، من حيث إنها تؤدي إلى نمو علاقات أفضل بين الآباء والأبناء، وتُخرج لنا أطفالًا سعداء وأصحاء وأكثر فاعلية. وكما نستخدم العلوم الطبية بحرص وبشكل استراتيجي في اتخاذ قراراتنا الصحية بشكل يومي، يمكننا أيضًا استخدام الأبحاث بحكمة لكي نمارس دورنا كآباء وأمهات بطريقة أفضل.

في دراسة أجريتُها مؤخرًا بالتعاون مع شانون ل. فوكس، التي كانت حينئذٍ تدرس بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، وقدمناها في أحد اجتماعات جمعية علم النفس الأمريكية، أجرينا مقارنة لمدى فاعلية عشرة أنواع من مهارات تربية الأبناء التي حظيت بالقبول والموافقة في العديد من الدراسات العلمية. كذلك بينت الدراسة كيف يقيّم خبراء التربية تلك المهارات، وبحثت في عدد الآباء الذين يطبقون تلك المهارات بالفعل. بمعنى آخر، عقدنا مقارنة بين ثلاثة أشياء: ما ينصح به الخبراء، وما هو فعال حقًّا، وما يفعله الآباء في واقع الأمر. أكدت دراستنا بعض المعتقدات واسعة الانتشار بشأن تربية الأبناء، التي من بينها -على سبيل المثال- أنه من الضروري أن تُظهِر لأطفالك أنك تحبهم. كما أسفرت الدراسة عن بعض المفاجآت، وبخاصة فيما يتعلق بأهمية قدرة الوالد في السيطرة على الضغوط التي يتعرض لها في حياته.

عشر مهارات مهمة

في إطار سعينا للتعرف على المهارات التي كان لها أهمية بالغة في تربية الأبناء، قمنا بدراسة البيانات التي حصلنا عليها مما يقرب من ألفين من الآباء الذين خاضوا مؤخرًا اختبارًا على شبكة الإنترنت، يتناول مهارات تربية الأبناء التي قمتُ بتطويرها (والتي يمكن الاطلاع عليها على الرابط: http://MyParentingSkills.com). وقد أجاب هؤلاء الآباء أيضًا عن أسئلة تتعلق بأطفالهم. مع ملاحظة أنه لم يكن الآباء على علم بذلك الأمر عندما خاضوا الاختبار، ولكننا عملنا على ترتيب المهارات في عشر فئات، مأخوذة جميعها من دراسات منشورة تبين أن تلك المهارات مرتبطة بتحقيق نتائج جيدة مع الأطفال. وقد تم أيضًا تقييم جوانب المهارات العشر التي تم قياسها بواسطة الاختبار عن طريق 11 خبيرًا من خبراء تربية الأطفال غير المعروفين لي أو لفوكس، زميلتي في إجراء الدراسة، ونحن بدورنا كنا غير معروفين لهم أيضًا (بمعنى آخر، تم استخدام إجراء مزدوج التعمية في عملية التقييم).

في الاختبار ذاته أعرب الآباء -من خلال إجاباتهم عن 100 بند تشكل عناصر الاختبار- عن مدى موافقتهم على عبارات مثل “بشكل عام أشجع طفلي على اتخاذ قراراته بنفسه”، و”أحاول إشراك طفلي في أنشطة صحية خارج المنزل”، و”بغض النظر عن مدى انشغالي أحاول أن أقضي وقتًا خاصًّا مع طفلي”. وقد قام المشاركون في الاختبار بالنقر على مدى موافقتهم على تلك الآراء على مقياس يتكون من خمسة مستويات، يتدرج من “أوافق” إلى “لا أوافق”. ونظرًا إلى أن جميع البنود كانت مأخوذة من دراسات منشورة، فقد أتاحت لنا الإجابات حساب المستوى الإجمالي لمهارات كل مشارك في الاختبار، إلى جانب حساب مستوى كفاءة كل مهارة من العشر بشكل منفصل. وقد سجلت نسبة الموافقة على العبارات التي تصف ممارسات سليمة في تربية الأطفال (أكرر، وفقًا لتلك الدراسات) درجات أعلى.

وتتضمن الأنواع العشرة لمهارات التربية التي نسميها “المهارات العشر للآباء” مهارات واضحة وصريحة، مثل سلوكيات إدارة الأزمة والتعبير عن الحب والعاطفة، إلى جانب سلوكيات تؤثر على الأطفال تأثيرًا غير مباشر، مثل الحفاظ على علاقة طيبة مع شريك الحياة، وامتلاك مهارات حياتية عملية [انظر القائمة الكاملة أدناه].

إضافة إلى الأسئلة الديموجرافية الأساسية التي طلبنا من المشاركين في الاختبار الإجابة عنها، مثل السن والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية وخبراتهم في التربية وغيرها، سألناهم أيضًا عن نتائج تربيتهم لأبنائهم مثل:

“إلى أي مدى يشعر أبناؤك بالسعادة (في المتوسط بشكل عام)؟”.
“ما مدى نجاح أبنائك في المدرسة أو العمل (في المتوسط بشكل عام)؟”.
“إلى أي مدى تتمتع بعلاقة طيبة مع أولادك (في المتوسط بشكل عام)؟”.
وفي مثل تلك الأسئلة كان مطلوبًا من المشاركين في الاختبار النقر على اختياراتهم على مقياس مكون من 10 نقاط، يتدرج من منخفض إلى مرتفع.

في ضوء النتائج التي حصلنا عليها لكل والد في جميع “المهارات العشر للآباء”، إلى جانب تقييماتهم العامة فيما يتعلق بنتائج تربيتهم لأبنائهم، صار بمقدورنا استخدام أسلوب إحصائي يُعرف باسم “تحليل الانحدار” من أجل تحديد أي المهارات أفضل للوصول إلى نتائج التربية السليمة. فمثلًا عند تقييم نتيجة مثل سعادة الطفل، فإن هذا النوع من التحليل يتيح لنا أن نقرر أي مهارات التربية ترتبط بأعلى درجات السعادة لدى الأطفال.

الحب والاعتماد على النفس والمفاجآت

أكدت أهم النتائج التي توصلنا إليها، ما يؤمن به معظم الآباء بالفعل، ألا وهو أن أفضل ما يمكننا فعله لأبنائنا، هو أن نمنحهم الكثير والكثير من الحب والعاطفة. اتفق خبراؤنا وأوضحت بياناتنا، أن هذه وسيلة ممتازة لإمكانية تحقيق نتائج جيدة مع الأطفال، وتحديدًا للوصول إلى جودة العلاقة التي نتمتع بها مع أبنائنا وسعادتهم، بل وصحتهم. الأكثر من ذلك، أن أداء الآباء في هذه المهارة كان أفضل من أدائهم في أيٍّ من المهارات الأخرى. كذلك أكدنا ما بينته دراسات أخرى كثيرة، ألا وهو أن تشجيع الأطفال على أن يكونوا مستقلين وأن يعتمدوا على أنفسهم، يساعدهم على الأداء بكفاءة أعلى.

لكن دراستنا أسفرت أيضًا عن بعض المفاجآت. كان الاكتشاف الأكثر إدهاشًا، أن اثنتين من أفضل الوسائل لتحقيق نتائج طيبة مع الأطفال هما في حقيقة الأمر “وسيلتان غير مباشرتين”: الحفاظ على علاقة طيبة مع شريك الحياة، والتحكم في مستوى التوتر لدى المرء ذاته. بمعنى آخر، إن أبناءك يستفيدون ليس فقط من أسلوب معاملتك “لهم”، وإنما يستفيدون أيضًا من أسلوب تعاملك مع شريك حياتك ومع نفسك.

إن التوافق مع شريك الحياة أمر ضروري؛ لأن الأطفال من داخلهم يريدون أن تسير الأمور بانسجام بين والديهم. منذ سنوات كثيرة عندما كانت زيجتي الأول على أعتاب الانهيار والفشل، ذات مرة أخذ ابني البالغ من العمر ست سنوات بيدي إلى المطبخ حيث كانت أمه تقف هناك، وحاول أن يضع يدي في يد أمه ويلصقهما بشريط لاصق. كان ذلك بمثابة محاولة يائسة أراد من خلالها أن ينقل إلينا رسالة مفادها: “أرجو منكم أن يحب بعضكم بعضًا. من فضلكم، لا بد أن تتصالحوا”. فالأطفال لا يحبون الصراعات، وبخاصة عندما يكون طرفا الصراع أكثر شخصين يحبونهما في هذه الدنيا. حتى في مواقف المشاركة في التربية التي تحدث في حالة انفصال الأبوين، من المهم جدًّا التمسك بسلوكيات لا تؤذي مشاعر هؤلاء الأطفال، مثل حل الخلافات بعيدًا عن أنظار الأطفال، واعتذار كل طرف للآخر ومسامحته (حبذا لو أمكن فعل ذلك أمام الأطفال!)، إضافة إلى الكلام عن الطرف الآخر بمودة، وغيرها من الأمور.

كذلك يُعَد التحكم في التوتر والتعامل مع الضغوط عنصرًا مهمًّا من عناصر التربية السليمة، تمامًا مثلما أنها من الأمور الحيوية في جميع مجالات الحياة وجوانبها. في دراستنا، كانت قدرة الآباء على التحكم في توترهم مؤشرًا جيدًا على جودة العلاقة بينهم وبين أبنائهم، وبالتالي بمدى سعادة هؤلاء الأبناء. الأكثر من ذلك، أن الأشخاص الذين صنفوا أنفسهم في خانة الآباء المثاليين، سجلوا في التحكم في التوتر نقاطًا أعلى من تلك التي حصلوا عليها في أيٍّ من المهارات التسع الأخرى لتربية الأبناء. وهناك درس بسيط يمكننا ذكره في هذا الموضع، ألا وهو أن الآباء الذين يفقدون أعصابهم في المحيط الذي يوجد فيه أبناؤهم، يعلمون أن ذلك مؤشر على سوء تربيتهم لأبنائهم. كذلك فإن احتفاظ المرء بهدوئه ربما يكون الخطوة الأولى على طريق التربية السليمة. ولحسن الحظ فإن مهارات التحكم في التوتر -مثل التأمل، وتقنيات الاسترخاء، وتمرينات التنفس- يمكن تعلُّمها، بصرف النظر عن الميول الطبيعية للمرء. كذلك يمكن للناس تعلم مهارات تنظيمية أفضل، بل وحتى طرق للتعامل مع التفكير المُجهِد المستمر.

الحفاظ على سلامة الأطفال، مسألة مقلقة بدرجة تكاد تقترب من الوسواس بين الآباء الأمريكيين، ولها نتائج إيجابية وسلبية على حد سواء. فالجانب المشرق في الموضوع أن مهارات السلامة في دراستنا، أسفرت بالفعل عن نتائج صحية جيدة. ولكن يبدو أن الإفراط الشديد في القلق بشأن السلامة، يؤدي إلى سوء العلاقة بين الوالد والأبناء، كما يبدو أنه يقلل من شعور الأطفال بالسعادة. وتبين دراسة أجرتها باربارا مورونجيللو وزملاؤها بجامعة جويلف في أونتاريو، مدى التعقيد الذي يمكن أن تصل إليه مسألة السلامة. ففي تلك الدراسة، قال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 7 سنوات و12 سنة، إنه رغم امتثالهم لقواعد السلامة التي وضعها آباؤهم بشكل عام، فإنهم يخططون للتصرف مثل آبائهم عندما يكبرون، حتى في الأمور التي كان آباؤهم يتصرفون فيها بطريقة غير آمنة، وفقًا لمعاييرهم. فهل اكتشف هؤلاء الصغار مدى التناقض الذي أظهره آباؤهم؟

وكانت هناك مفاجأة أخرى، تتضمن استخدام أساليب إدارة السلوك. ورغم أن تدريبي في علم النفس (على يد رائد علم النفس السلوكي ب. ف. سكينر) يشير إلى أن الإدارة السليمة للسلوك، على سبيل المثال تلك التي تُسهِم في تحفيز السلوك الجيد بدرجة كبيرة، أمر ضروري ولازم للتربية الجيدة. فإن دراستنا تلقي بظلال من الشك على هذه الفكرة. فقد احتلّت إدارة السلوك مرتبة متدنية عبر جميع فئات المهارات، وكانت مؤشرًا ضعيفًا لتحقيق نتائج طيبة مع الأطفال. وقد أحرز الآباء درجات ضعيفة نسبيًّا في هذا الجانب من المهارات، ووضعها خبراؤنا في المرتبة التاسعة في قائمتنا للمهارات العشر.

بصفة عامة، وجدنا أن الآباء في تعليم أبنائهم والحفاظ على سلامتهم، أفضل بكثير من قدرتهم على التحكم في توترهم أو الحفاظ على علاقة طيبة مع شريك الحياة. حتى على الرغم من التأثير الكبير للعامل الأخير على الأطفال. فالتوافق مع شريك الحياة يحتل المرتبة الثالثة من حيث الأهمية في قائمة الممارسات، ولكنه يأتي في المركز الثامن على قائمة القدرات الفعلية للآباء. والمثير للإحباط بدرجة أكبر، أن التحكم في التوتر والضغوط (الذي يحتل المرتبة الثانية في الأهمية على قائمة الممارسات) جاء في المركز العاشر.

ما الذي يجعل الآباء صالحين؟

إذا نحينا جانبًا “المهارات العشر للآباء” بصفة مؤقتة، فإن دراستنا تلقي أيضًا بعض الضوء على السمات التي ينبغي أن يتصف بها الوالد الصالح. على ما يبدو، فإن ثمة قدرة عامة على تربية الأبناء، شيء يشبه عامل الذكاء العام المعروف باسم العامل “g” (ويُعرف أيضًا باسم الذكاء العام). وقد ظهر العامل “g” في التربية بشكل بارز في دراستنا باستخدام أسلوب إحصائي يسمى تحليل العامل، الذي يتولى تنظيم كميات ضخمة من معلومات الاختبارات، من خلال تجميع بنود الاختبارات تحت عدد قليل من المتغيرات ذات الكفاءة العالية. فعلى ما يبدو، يتميز بعض الأشخاص ببساطة بالبراعة في تربية الأطفال، وهو الأمر الذي لا يمكن وصفه بسهولة في إطار مهارات محددة.

كذلك وجدنا أن عددًا من السمات التي يربط الناس بينها وبين التربية السليمة غالبًا، ربما لا تكون مهمة للغاية. على سبيل المثال، يبدو أن نساء هذه الأيام يتفوقن على الرجال في التربية قدر أنملة، وهو تغيير ضخم في معتقداتنا. إذ حصلت النساء على 79,7% في اختبارنا، في حين أحرز الرجال 78,5%، وهو فقط فارق هامشي من حيث الدلالة الإحصائية. كذلك لم يحصل الآباء الأكبر سنًّا أو الذين لديهم عدد أكبر من الأطفال على نتائج أعلى بشكل واضح في دراستنا. كما يبدو أن الأداء التربوي للآباء لا يختلف سواء كانوا متزوجين أم لا، كما أن الآباء المطلقين لا يقلون كفاءة عن أولئك الذين ما زالوا متزوجين، رغم أن أبناءهم أقل سعادة إلى حد ما من أولئك الأطفال الذين لم يخض آباؤهم تجربة الطلاق قَط.

ولا يبدو أن الأصل العرقي يُسهِم بدرجة كبيرة في كفاءة التربية، كما أن المثليين والمستقيمين جنسيًّا متساوون تقريبًا فيما يخص قدرتهم على تربية الأطفال. بل في حقيقة الأمر فإن المثليين تفوقوا على المستقيمين جنسيًّا بمعدل نقطة مئوية واحدة في اختبارنا.

يُعَد التعليم من بين السمات التي يبدو أنها تصنع فارقًا، فبصفة عامة كلما زاد المستوى التعليمي، كانت التربية أفضل. وربما يرجع ذلك إلى أن الأشخاص الأعلى تعليمًا، يجتهدون بشكل أكبر لتحسين مهارات التربية لديهم من خلال برامج تأهيل الآباء (وتؤكد بياناتنا هذه الحقيقة). كذلك من الممكن القول بأن الآباء الصالحين، أولئك الذين يرتفع لديهم عامل التربية العام “g”، يكونون أيضًا بشكل عام أشخاصًا أكفاء وأصحاب مستوى تعليمي مرتفع. بمعنى آخر، فإن عامل التربية العام “g” ربما يكون مماثلًا لعامل الذكاء العام “g”، وهي مسألة من المنتظَر استكشافها في الأبحاث المستقبلية.

الخلاصة من هذه النتائج أنك إذا كنت تريد فعلًا أن تحصل على معلومات بشأن مدى كفاءة شخص ما في أداء دور الوالد، فما عليك سوى قياس تلك المهارة مباشرة بدلًا من الرجوع إلى الأنماط والقوالب الجاهزة المنتشرة. فعلى أية حال، لم تحصل المرأة في الولايات المتحدة على حق التصويت إلا في عام 1920 نتيجة لافتراضات خطأ بشأن أوجه القصور لدى الإناث. ذلك من بين الدروس الرئيسة التي خرجت بها دراستنا، فببساطة لا بديل للقياس المباشر للكفاءة.

ربما يكون الجانب المشرق في المسألة، أن الآباء يمكن تدريبهم. إذ تؤكد بياناتنا أن الآباء الذين حصلوا على دروس في التربية أحرزوا نتائج أفضل مع أبنائهم من الآباء الذين افتقروا لمثل هذا التدريب. وأن المزيد من التدريب يؤدي إلى نتائج أفضل. يمكن لبرامج التدريب -مثل برنامج التربية الرشيدة المبنية على الأدلة، الذي قام بتطويره دونالد أ. جوردون من جامعة أوهايو- تحسين ممارسات التربية بالفعل. وتتاح تلك البرامج في المدن الكبرى عبر شتى أنحاء البلاد، وأحيانًا يتولى رعايتها ماديًّا المعالِجون المحليون أو الوكالات الرسمية التابعة للدولة أو للمقاطعات. وتسعى المبادرة الوطنية للتربية الفعالة التي ارتبط اسمي بها منذ انطلاقها في عام 2007، من أجل إتاحة برامج التدريب للآباء على نطاق أوسع (للحصول على مزيد من المعلومات، انظر: http://EffectiveParentingUSA.org ).

حيثما يخفق الخبراء!

بالرغم من أن خبراء التربية يقدمون نصائح متضاربة أحيانًا (ربما لأنهم لا يواكبون أحدث الدراسات!)، فإن خبراءنا بصفة عامة أبلوا بلاءً حسنًا في التعرف على الكفاءات التي بإمكانها تحقيق نتائج إيجابية مع الأطفال. ولكن كان هناك استثناءان جديران بالملاحظة. أولهما، أنهم وضعوا التحكم في التوتر والتعامل مع الضغوط في المرتبة الثامنة على قائمة المهارات العشر الخاصة بنا، على الرغم من أنها على ما يبدو واحدة من أهم المهارات. ويتمثل الاستثناء الثاني في أن خبراءنا بدوا منحازين ضد دور الجانب الديني والروحاني، فقد وضعوه في ذيل قائمة المهارات العشر. بل إن بعضهم تطوع بتقديم تعليقات سلبية بشأن هذا الجانب من المهارات، بالرغم من أن الدراسات تشير إلى أن التدريب الديني والروحاني أمر جيد للأطفال.

من الناحية التاريخية، طالما تجنب الأطباء البحثيون وعلماء السلوك الحديث عن الدين، على الأقل في حياتهم المهنية، وربما يفسر ذلك الشعور بعدم الراحة الذي عبر عنه خبراؤنا بشأن التدريب الديني أو الروحي للأطفال. ومع ذلك فإن السبب الذي جعل أولئك الخبراء يستبعدون التحكم في التوتر والتعامل مع الضغوط إلى تلك المرتبة المتأخرة يمثل لغزًا غامضًا. إذا ما وضعنا في الاعتبار اهتمام علم النفس الممتد بدراسة الضغوط وعلاجها على حد سواء. يمكنني فقط أن أخمن أن التعامل مع الضغوط والتوتر لا يتم تدريسه بنطاق واسع بوصفه مكونًا أساسيًّا من مكونات التربية السليمة في برامج الدراسات العليا ذات الصلة بعلم النفس، مع أنه ينبغي أن يكون.

ما يهم!

صقل مهارات التربية لدى شخص ما بالمعرفة العلمية ذات الصلة، يمكن في الحقيقة أن يكون له فوائد عظيمة لأسرة ذلك الشخص. فذلك من شأنه -من ناحية- الحد من مشكلة النزاع مع الأبناء أو القضاء عليها نهائيًّا، وذلك بدوره يمكن أن يحسِّن من أحوال رباط الزوجية أو علاقة المشاركة في تربية الأبناء. ومن ناحية أخرى يمكن أن يسهم في جعل الأبناء أكثر سعادة وأكثر فاعلية. لقد رأيت بعيني كيف ينجح هذا الأمر من خلال خبرتي الشخصية في تربية أبنائي. فأنا كأب تحسن أدائي كثيرًا في التعامل مع أطفالي الصغار (الذين تتراوح أعمارهم ما بين 9 و17 سنة) عما كنت مع ابنيّ الأكبر سنًّا (يبلغان من العمر حاليا 34 و36 سنة). فكلما زاد علمي بمسائل التربية على مر السنين أصبحت أكثر عاطفة ومهارة، والنتيجة فوائد لا تخفى على أحد. هذه الأيام أحتضن أطفالي يوميًّا عدة مرات وأخبرهم عن مدى حبي لهم؛ إذ عندما لا يكون حبك لأبنائك موضع شك أو سؤال مطلقًا، فإن الأطفال يكونون أكثر تفهمًا وتسامحًا عندما يحتاج الوالد إلى وضع حدود معينة، وهو ما أفعله بصفة منتظمة. كذلك تعلمت أن أحافظ على هدوئي، بمعنى أن أُحسِّن من رد فعلي تجاه ما يحدث من أمور. فعندما أتحلى بالهدوء، ينعكس ذلك على أبنائي أيضًا، ونتجنب معًا تلك الحلقة القاتلة من التصعيد الوجداني التي يمكنها تدمير أية علاقة.

الأهم من ذلك، أرى أنني أقوم الآن بدور المسهّل للأمور أكثر بكثير من قيامي بدور المتحكم. ففي أثناء بنائي لكفاءتي كأب، بذلت أيضًا جهدًا أكبر في التعرف على كفاءة أبنائي وتعزيزها، وساعدتهم على أن يصبحوا أقوياء ومستقلين بطرق عديدة. حاليًّا يتمتع ابني، صاحب السبعة عشر ربيعًا، بشخصية هادئة تجعله نموذجًا مفيدًا وقدوة لإخوته، كما أن ابنتي عندما كانت تقترب من سن العاشرة وحتى قبل أن أنهض من فراشي، كانت غالبًا ما تذهب لإعداد البيض المقلي لنا جميعًا، كما كانت تقوم بأعمال التنظيف أيضًا.

قائمة المهارات العشر للآباء

فيما يلي عشر كفاءات يمكنها تحقيق نتائج التربية الجيدة، وقد سردناها بالترتيب بشكل تقريبي من الأهم إلى الأقل أهمية. وهذه المهارات، المشتقة جميعها من دراسات منشورة، تم تصنيفها بناءً على قدرتها على تحقيق قوة في الارتباط بين الوالد وولده ومدى سعادة الأبناء وصحتهم ونجاحهم. ر. إ.

الحب والعاطفة
أن تساند طفلك وتدعمه وتَقبله، وتعبر عن محبتك له جسديًّا، وتقضيان معًا وقتًا خاصًّا وممتعًا.

التحكم في التوتر والتعامل مع الضغوط
أن تتخذ خطوات لتخفيف الضغوط عن نفسك وعن طفلك، وأن تمارس تقنيات للاسترخاء وتقوم بتعزيز النظرة الإيجابية للحياة.

مهارات العلاقات
أن تحافظ على علاقة صحية مع زوجك، أو شريك حياتك، أو شريكك في تربية الأبناء، بالإضافة إلى أن تكون نموذجًا يُحتذى به في العلاقة الفعالة مع الآخرين.

الاعتماد على النفس والاستقلالية
أن تعامل طفلك باحترام وتشجعه على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس.

التعليم والتعلُّم
أن تقوم بدعم التعلُّم وتخطيطه لطفلك، وأن توفر له فرصًا تعليمية جيدة.

مهارات الحياة
أن توفر جميع احتياجات طفلك، وأن يكون لك دخل ثابت، وتخطط للمستقبل.

إدارة السلوك
أن تستخدم التحفيز الإيجابي بشكل مكثف، ولا تستخدم أسلوب العقاب إلا عندما تفشل وسائل إدارة السلوك الأخرى.

الصحة
أن تكون نموذجًا يُحتذَى به لطفلك فيما يختص بأسلوب الحياة الصحية، وتنمية العادات السليمة، مثل ممارسة الرياضة بانتظام والتغذية السليمة.

الدين
أن تدعم التنمية الروحية أو الدينية لطفلك، وتشارك في الأنشطة والمناسبات الروحية أو الدينية.

السلامة
أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية طفلك، وتبقى على دراية بالأنشطة التي يمارسها الطفل وبمَن يصادقهم.

نُشر هذا المقال في الأصل بعنوان “ما الذي يجعلك والدًا صالحًا؟”.
للعلم scientific america

اضغط للقراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى